تضرب جذورها في دولتين عربيتين.. لا تحتاج للري وتنتج مادة تباع بـ 250 دولار للكيلو
تضرب جذورها في دولتين عربيتين.. لا تحتاج للري وتنتج مادة تباع بـ 250 دولار للكيلو
البطم شجرة يمكن زراعتها في البلاد العربية.. سكان قرية يمتلكون نوع نادر من الأشجار تستخرج منه مادة تباع بـ 250 دولار للكيلو الواحد
تعرف بابنة عم الفستق الحلبي، ضاربة جذروها في تاريخ سوريا والمغرب العربي، تدل على الصبر والقسوة ومقارعة الاعداء.
ليس لها مثيل بين الأشجار، فهي شجرة قاسية حطبها ثقيل صلب وثمارها شفاء وزينة للموائد، كما تضاف إلى الخبز في بلاد الشام.
تتميز شجرة البطم بأنها تنمو في الجبال وفي المناطق الوعرة، ولا تحتاج ري فهي شجرة بعلية تشرب مائها من المطر فقط.
كانت لا تشاهد في المزارع والحقول حتى نقلها الإنسان ودجنها واستفاد من محصولها الثمين في عصرنا هذا.
تتوزع شجرة البطم في سوريا الكبرى وفي المغرب العربي وتعرف هناك بشجرة البطم الاطلسية وهي نوع يختلف قليلاً عما ينمو في الشام.
وفي جنوب سورية، تقع قرية صُمَيد. هذه القرية تربض على أطراف محمية اللجاه، بشمال غربي المحافظة، التي أعلنت قبل سنتين محمية طبيعية عالمية من قبل اليونيسكو.
والمثير في أمر القرية أن العشرات من سكانها، وكذلك سكان «جارتها» وشقيقتها الكبرى، بلدة عريقة، حيث مركز المحمية، يعصرون زيت شجرة البُطم (Terebinth) النادرة.. يدويا.
أهالي صُمَيد استفادوا من وجود عدد من المعاصر التاريخية القديمة في قريتهم، وقد أصبحت من المعالم التاريخية في منطقة جبل العرب.
واستفادوا أيضا من وجود زبائن كثر لمنتجهم النادر، إذ يعتبر زيت البُطم من أجود الزيوت النباتية.
وهو يستخدم في حالات طبية وعلاجية وتجميلية، ويباع اللتر الواحد منه بنحو (ما يعادل 250 دولارا أميركيا).
ولذلك جرى تقديم عدد من المقترحات للجهات المعنية، منها تأمين مركز لعصر البطم بطرق حديثة في قرية صميد، وإعطاء ترخيص للأشخاص الذين يمارسون هذا العمل بالدخول إلى المحمية.
البطم عند السوريين
أبو أيمن، أحد سكان صميد وأحد العاملين بالعصر اليدوي لزيت البطم، قال إنه «على الرغم من العمل المجهد في عملية العصر،
فإنها تشكل مورد دخل مقبولا لأهالي القرية، ولا سيما مع وجود المواد الأولية والمستلزمات،
وأدوات العصر والمعاصر الحجرية القديمة، وبطبيعة الحال، لتوافر أشجار البطم في منطقة اللجاه».
وشرح أبو أيمن بإسهاب خطوات ومراحل عملية عصر ثمار البطم، فقال: «ثمار البطم كروية وصغيرة الحجم،
وبعد نضجها تكون ممتلئة بالزيت فيجري هرسها (أي سحقها) وعصرها في حوض قديم استخدمه أجدادنا منذ مئات السنين،
لاستخلاص الزيت، وهو زيت طيار، باستخدام أداة حجرية بازلتية مزودة بحامل معدني في عمليتي الهرس والعصر.
وبعدها يؤخذ الزيت الناتج ويُصفى ويُقطّر بوضعه في وعاء كبير، مثل حلة نحاسية، على نار هادئة، ليتحول إلى زيت نقي.
ثم بعد تبريده، يعبأ في عبوات زجاجية أو بلاستيكية مخصصة للاستخدام الغذائي، ويباع فيما بعد، وهو يتميز بغناه بالكثير من المواد الصحية».
هذا بالفعل ما أكده تحليل كيميائي علمي نفذته مختبرات قسم الصناعات الغذائية في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية بدمشق.
وحسب كلام المهندس بيان مزهر، «فإن نتائج التحليل أكدت أن زيت البطم يضم أحماضا عضوية بنسب مختلفة،
منها أحماض البالمتيك والسيتاريك والأوليفيك وغيرها،
كما تحتوي ثمار البطم على زيت جاف بنسبة نحو 41 في المائة وبروتين 7 في المائة وسكريات 3 في المائة ورطوبة 13 في المائة،
ولذا فإن نحو 4 كيلوغرامات من ثمار البطم تعطي كيلو غراما واحدا من الزيت، وهو يتميز بكثافة عالية تعادل ثلاثة أضعاف كثافة زيت الزيتون».
وتابع: «يمكن الاستفادة من زيت البطم في معالجة أمراض كثيرة كالروماتيزم وآلام المفاصل ونقص الكلس لدى الأطفال،
كذلك لوجود الفيتامينات الحيوية فيه مثل (بي) و(سي)، فإنه يستخدم أيضا في تقوية اللثة وعلاجات الأسنان.
شجرة البطم عند العلماء القدماء
ونقل الأطباء العرب القدامى كابن النفيس وابن سينا من فوائده الطبية أنه يعالج الأورام وأمراض الكبد و«مرض البردة»:
الذي يصيب جفن العين، ويعتبر زيتا معقِّما قويا ومفيدا في علاج لسعات الحشرات.. وحتى طرد الحشرات.
ثم إنه يمكن إضافة زيت البُطم كمنكّه طبيعي للأطعمة، مثله مثل زيت الزيتون ودوار الشمس والذرة.
وهو يتميز بنكهة خاصة ومذاق لذيذ، كذلك يستخرج البعض من السكان في القرى السورية،
حيث توجد شجرة البطم، شرابا من ثماره ذا فوائد كثيرة، يطلقون عليه «شراب البريقة».
من ناحية أخرى، إذا كان زيت البطم يعتبر من الزيوت النادرة، فإن شجرة البطم التي يصل ارتفاعها لنحو 15 – 20 مترا وقطرها مترا وتعمر لمئات السنين،
تعد بالأساس من الأشجار الحرجية المعمرة، وهي قليلة الانتشار.. ليس فقط في منطقة جبل العرب، بل في عدد من المناطق السورية حيث توجد بضع مئات من هذه الأشجار.
ولكن ثمة مشاريع كثيرة للإكثار منها وإنعاش زراعتها، كما هو الحال في جبل البلعاس، وجبل أبو رجمين بمنطقة البادية السورية الغربية،
وفي جبل عبد العزيز بمحافظة الحسكة بالجزيرة السورية، وفي جبال القلمون شمال دمشق.
ما أصل ومصدر شجرة البطم
وتشير بعض المصادر التاريخية إلى شهرة البطم في المنطقة الجنوبية من سورية جاءت من واقعة تاريخية مهمة،
تقول إن الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) استظل بشجرة بطم عندما التقى بحيرا الراهب في منطقة حوران، وبعدما كانت تظلله سحابة في أثناء مسيرته،
نزل تحت شجرة أرهصت أغصانها (انحنت وضمت أغصانها)، حيث استلقى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما كان يقصد التجارة لبلاد الشام.
كذلك تورد المصادر التاريخية الخاصة بتربية النحل أن قدماء المصريين كانوا يجهزون بعثات محروسة بفرسان ورماة.
وكانت مهمة هذه البعثات أن تجوب الصحارى للبحث عن أحراج البطم لجني ما كان يُنتَج حولها من عسل كثير،
يجمعه النحل في بيوت، يتخذها في تجاويف صخرية على جنبات الوديان بالقرب من غابات البطم.
ولقد أوضح الدكتور أكرم درويش، مدير المحميات الطبيعية في وزارة البيئة السورية، لـ«الشرق الوسط» أهمية شجرة البطم واستعمالاتها،
قائلا: «نظرا لما يتصف به البطم الأطلسي من مقدرة عالية على مقاومة الجفاف،
يمكن أن يستعمل كعنصر أساسي في عمليات التحريج الاصطناعي في المواقع الجافة والشديدة الجفاف، وفي المواقع المنخفضة والمتوسطة الارتفاع،
ولكن يؤخذ عليه في هذا المجال بطء نموه، مما يضطر معه إلى حماية النباتات الفتية لفترة طويلة. ولكن من فوائده أن أوراقه تصلح علفا للمواشي،
وتفيد عصارته الراتنجية في تسكين الآلام والتشنجات، كما أن ثماره الزيتية لها أهمية غذائية وصناعية،
وخشبه يصلح للاستعمالات الصناعية، لأنه قابل للصقل والحفر والنقش،
ونظرا لقسوة البطم استخدمت جذوعه لصنع (المهابيج) لطحن البن والهيل، يضاف إلى ذلك أنه يصلح كأصل لتطعيم الفستق الحلبي».