لا يقدر بثمن.. حجر نيزكي فريد من نوعه يسقط في دولة عربية استغرقت دراسته 9 سنوات
النيازك هي أجسام صلبة انفصلت عن نجوم أو كويكبات في الفضاء إثر تلقّيها صدمةً عنيفة، ثم تتحول إلى نيازك عند دخولها الغلاف الجوي للأرض.
وعند وصولها للأرض، وبعد وقت محدد، يقوم الباحثون والمختصون بدراستها جيداً، وتحليل مكوناتها بدقة، وباستخدام أفضل الوسائل التقنية الحديثة، وقد يستغرق ذلك وقتاً وجهداً وتضحيات كبيرة.
مؤخراً وفي عام 2011 في يوليو/تموز، سقط في المغرب نيزك مريخي “تيسينت” (Tissint) ، كشف عن تنوع غير مسبق في المركبات العضوية، أظهرتها دراسة في دورية “ساينس أدفنسز” (Science Advances) بتاريخ 12 يناير/كانون الثاني الجاري، حيث تم الكشف عن نتائجها في كشف علمي جديد، توصل فريق بحث دولي.
حيث يضم فريق البحث هذا باحثين من المغرب وأميركا وألمانيا والنمسا والمجر، بقيادة الأستاذ فيليب شميت كوبلين من جامعة ميونخ التقنية، وبسبب صعوبة إجراء التحاليل على المواد العضوية والحصول على نتائج دقيقة، فقد استغرقت الأبحاث 9 سنوات.
وفي حديث للجزيرة نت عبر الهاتف، تقول حسناء الشناوي أوجهان، الباحثة المغربية المشاركة بهذا الاكتشاف والأستاذة في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ورئيسة مؤسسة الطارق “هذه الدراسة العلمية منشورة بدورية ساينس أدفنسز، نظراً لقيمتها العلمية الكبيرة والمعلومات التي تقدمها على هذه المكونات العضوية”.
العثور على النيزك المريخي على بعد 48 كيلومترا من بلدة “تيسينت” (حسناء الشناوي أوجهان)
وأكدت الدكتورة حسناء خلال مقابلتها مع الجزيرة نت “هذا الاكتشاف سابق من نوعه لأنه لا وجود لنيزك مريخي يتضمن هذا الكم من التنوع في المواد العضوية”.
ووفق البيان الصحفي لمعهد “كارنيغي للعلوم” (Carnegie Science Institute) فإن “تيسينت” -الذي سقط في المغرب منذ أكثر من 11 عاما- هو واحد من 5 نيازك مريخية فقط تم رصدها أثناء سقوطها على الأرض، وتم العثور على قطع منه منتشرة في صحراء على بعد حوالي 30 ميلا من بلدة “تيسينت” التي سمي باسمها والتي تقع جنوب المملكة.
ويضيف المعهد في بيانه أن الكشف عن مركبات نيزك “تيسينت” العضوية يمكن أن يساعد العلماء على فهم ما إذا كان الكوكب الأحمر قد استضاف الحياة، بالإضافة إلى فهم التاريخ الجيولوجي للأرض.
وحسب دراسة سابقة أجريت على “تيسينت” أوائل 2012 منشورة بدورية “ساينس” (Science) من طرف فريق بحث دولي بقيادة الدكتورة حسناء، فقد أثبت العلماء أن المريخ كان في السابق رطبا، وأن انطلاق هذا النيزك من سطح هذا الكوكب حدث قبل أقل من مليون سنة بعد حدث عنيف جدا.
وتضيف الدكتورة حسناء “الأبحاث العلمية التي تنجز على النيازك المريخية مهمة جدا، لأنه حتى الآن ليس هناك أية أحجار مريخية جاءت عن طريق الرحلات الاستكشافية، ويتوقع أن تأتي عينات من أحجار المريخ عن طريق الرحلة الاستكشافية الموجودة بكوكب المريخ الآن، منذ مارس/آذار 2020 والتي يتوقع أن ترجع إلى الأرض عام 2024”.
الباحثة حسناء قادت فريقا دوليا لإنجاز دراسة أوائل 2012 على نيزك تيسينت (حسناء الشناوي أوجهان)
تقول الباحثة المغربية “الاهتمام الآن مسلط على المريخ للجواب على سؤال: هل الحياة موجودة على هذا الكوكب المقارب للأرض؟ لأن هناك اعتقادا لدى العلماء أن المريخ في السابق كان يحتوي على الماء أو السوائل، لكن ما يزال السؤال المطروح: هل هناك أحياء على سطح المريخ؟”.
وتضيف “هذه الدراسة حول حجر جاء من سطح المريخ تعطينا فكرة لدراسة المكونات والمواد العضوية، لأن المواد العضوية هي المكونات واللبنات الأولى لظهور الحياة في أي مكان، وهذا التساؤل مهم للباحثين وللجمهور العام الذي يتساءل: هل هناك حياة على سطح المريخ”.
ويشير البيان الصحفي لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء إلى أن “الأرض والمريخ كوكبان متشابهان نسبيا في تطورهما، ومع ذلك ظهرت الحياة وازدهرت على الأرض، لكن حتى الآن لا يوجد دليل قاطع على وجودها على المريخ من قبل”.
وأكد البيان أن “التنقيب عن المواد العضوية الموجودة في نيزك تيسينت يمكن أن يساعد في الإجابة عن سؤال حول وجود أيٍ من أشكال الحياة في الماضي على كوكب المريخ”.
ويضيف البيان “الدراسة المتعمقة للجزيئات العضوية الموجودة في نيازك المريخ، خاصة تيسينت، وهو سقوط مرصود لم يتأثر بالعوامل الأرضية الخارجية، وبذلك سيكون مهما في الإجابة عن هذا السؤال الأساس. وقد أظهر العمل على النيازك المريخية أن هذه الجزيئات يمكن أن تتشكل من خلال عمليات غير بيولوجية تسمى الكيمياء العضوية اللاأحيائية”.
النتائج تمهد الطريق لدراسة العينات العائدة من المريخ إلى الأرض (حسناء الشناوي أوجهان)
ويؤكد الباحثون من خلال هذا الاكتشاف أن العمل المنشور بهذه الدراسة يقدم السجل الأكثر شمولاً على الإطلاق لتنوع المركبات العضوية الموجودة في نيازك المريخ، ويُظهر وجود صلة بين الجانب المعدني للنيزك والتنوع غير المسبوق للمركبات العضوية التي يحتوي عليها. كما كشفت دراسة هذه المواد العضوية اللاأحيائية التي تشكلت من تفاعلات الماء والصخور عن معلومات حول العمليات التطورية لوشاح المريخ وقشرته.
كما عثر الباحثون على مركبات المغنيسيوم العضوية على سطح المريخ بوفرة لم يسبق لها مثيل، وهي مجموعة من الجزيئات العضوية المهمة، خاصة وأنها توفر معلومات عن الضغط العالي والعامل الجيوكيميائي لدرجات الحرارة المرتفعة التي يعاني منها باطن الكوكب الأحمر، كما توضح وجود صلة بين دورة الكربون وتطوره المعدني.
وإضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة عن تفاصيل حول كيفية تطور العمليات التي تحدث في قشرة المريخ، خاصة فيما يتعلق بالمواد العضوية اللاأحيائية التي تشكلت من تفاعلات الصخور مع الماء.
الدراسة تقدم السجل الأكثر شمولا لتنوع المركبات العضوية في نيزك المريخ (حسناء الشناوي أوجهان)
وحول مستقبل البحث بهذا الاكتشاف تنهي حسناء حديثها بالقول “البحث العلمي لا ينتهي، وهذا التوجه يدخل ضمن علم بيولوجيا الفضاء، وكل إمكانيات التحاليل التي يمكن إجراؤها على المواد العضوية والبحث عن الماء تعطي فكرة عن مصدر الحياة وتكوين الحياة. أما النيازك المريخية بصفة عامة فهناك العشرات والمئات من المقالات العلمية التي تنشر عنها”.
وقد خلص البيان الصحفي لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء إلى أن “ميزة هذه الدراسة أنها تعد مقدمة تمهد الطريق لدراسة العينات العائدة من المريخ إلى الأرض، لاسيما تلك المتعلقة بتكوين المركبات العضوية واستقرارها وديناميتها في بيئات المريخ الحالية”.
كما أنها ستثري المساهمة بالأبحاث حول المريخ، وتؤكد على جهود بذلها باحثون من جامعة الحسن الثاني ومؤسسة الطارق لأكثر من 20 عاما لتعزيز النيازك المغربية على الصعيدين العلمي والتراثي.
تستغرق الأبحاث العلمية الكثير من الوقت والجهد، وقد تمتد لعشرات السنين، ناهيك عن مراحل تحليل النتائج وتدقيقها ونقلها بأفضل الطرق.