تقع محافظة الفيوم في جنوب القاهرة وتتميز بمواقع سياحية متعددة، من أشهرها وادي الريان ومعبد قصر قارون وقرية تونس وبحيرة قارون وغيرها من الأماكن السياحية، وإلى جانب ذلك تضم واحدة من أشهر المحميات الطبيعية وأهمها في مصر وهي محمية “وادي الحيتان” التي سجلتها “يونيسكو” كموقع تراث طبيعي عام 2005 باعتبار أنها تضم بقايا أحفورية لحيتان عاشت في هذه المنطقة قبل 40 مليون سنة.والوحيد
الاهتمام بالمحمية خلال الأعوام الأخيرة وتأهيلها لاستقبال الزوار جعلها واحدة من المواقع المهمة التي يحرص زوار الفيوم على زيارتها باعتبار أنها تمثل أمراً فريداً من نوعه ليس موجوداً في أي مكان آخر، فمشاهدة هياكل الحيتان في منطقة صحراوية حالياً وتخيل أن هذه المنطقة كانت مغطاة بالمياه وعاشت فيها هذه الحيتان بمثابة تجربة مبهرة للمهتمين بالتاريخ الطبيعي.
وعن المحمية وكيف تحولت من منطقة مائية عاشت فيها كائنات بحرية وحيتان إلى صحراء جرداء قال الأستاذ المساعد ومدير مركز الحفريات الفقارية بكلية العلوم جامعة الوادي الجديد جبيلي أبو الخير إن “الأرض تتأثر بعاملين مهمين لهما دور كبير في توزيع الكائنات الحية هما الحركة التكتونية مثل الزلازل وانفصال القارات ونشأة البحار، والعامل الآخر هو التغيّر المناخي. وفي العصر الكريتاسي منذ 90 مليون سنة تقدم البحر وغطى معظم الصحراء الغربية ثم تراجع حتى وصلنا إلى العصر الأيوسيني المتوسط منذ 45 مليون سنة، في هذه المرحلة كان هناك حوض مائي كبير في المنطقة من القاهرة لأسيوط وامتد إلى الصحراء الغربية”. وأضاف، “كنتيجة لتراجع البحر كانت منطقة الفيوم ممتدة على هيئة خلجان وهي مناطق مائية مالحة محاطة بالأرض ويمكن أن تصب فيها فيضانات أو أنهار صغيرة وهي بيئة ملائمة لظهور هائمات نباتية تمثل بداية للسلسلة الغذائية فظهرت أسماك صغيرة وأسماك أكبر حتى وصلنا إلى الحيتان وأسماك القرش وهذا ما حدث في هذه المنطقة التي تم رصد أكثر من 1000 حفرية لحيتان فيها حتى الآن”.
على رغم مرور ملايين السنين على هذه الهياكل إلا أن كثيراً منها وجِد بحال ممتازة وعثر على الهيكل كاملاً وبحال جيدة من الحفظ. وتعليقاً على ذلك قال أبو الخير إن “ما يميز وادي الحيتان أشياء عدة، أبرزها جودة الحفظ، فقد وجِدت الهياكل الكاملة لكثير من الحيتان في حال سليمة ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة على رأسها المناخ الصحراوي الجاف لمصر، والبيئة الرملية حيث دفنت الحفريات ساعدت على حفظها بحال جيدة، إلى جانب التجمع الكبير جداً للحيتان في مساحة محدودة مما يدل على ثراء المنطقة كبيئة بحرية غنية في ذلك الوقت”. وزاد أن “المنطقة المحيطة بوادي الحيتان منطقة غنية جداً بالحفريات فبالقرب منها توجد منطقة جبل قطراني حيث وجدت حفريات لثدييات أرضية مثل الفيلة وأسلاف القردة، فمصر منطقة شديدة الثراء في مجال الحفريات الذي بدأ يكون له وجود على الساحة أخيراً، وكل ما تم اكتشافه لا يمثل شيئاً مما يمكن العثور عليه، فهذا المجال يحتاج إلى اهتمام ودعم لأن النتائج تكون مبهرة والاكتشافات تلقى صدى واسعاً في العالم كله”.
بين مناطق متعددة وجِدت بها حفريات لكائنات مختلفة في مصر والعديد من المحميات الطبيعية في مناطق متنوعة، تم تسجيل محمية “وادي الحيتان” على قائمة اليونسكو كمنطقة تراث طبيعي لاعتبارات تميزها عن أي مكان مشابه.
وصرح أبو الخير بأن “أول اكتشاف لحفريات الحيتان في هذه المنطقة كان عام 1886 وكان في منطقة جزيرة القرن الذهبي، لتتوالى الاكتشافات مع مطلع القرن الـ20، تحديداً في الفترة من عام 1901 وحتى عام 1905، حيث اكتشف حفريات عدة لحيتان، تحديداً في منطقة قارة جهنم التي تبعد ثلاثة كيلومترات من محمية وادي الحيتان، إلا أن الاكتشاف الحقيقي للمنطقة يعود لعام 1984 حيث تم اكتشاف 406 حفريات لحيتان في المنطقة وفرت كثيراً من المعلومات لهذا المجال ومثلت إضافة حقيقية للمهتمين بهذا التخصص”. وأردف، “يمكن القول إنه عثر في محمية وادي على أول هيكل متكامل لحوت بكل تفاصيله وأجزائه في العالم، مما أضاف إلى دراسة الحيتان ومكّن من التعرف إليها بشكل كبير. وتوالت الاكتشافات مع مرور الأعوام، وما زال الباب مفتوحاً لكثير منها، فهي تفتح الآفاق لكثير من المعلومات والأسرار عن هذه الحقبة. وسُجلت المنطقة على قامة التراث العالمي لـ”يونيسكو” كأول منطقة تراث طبيعي يتم تسجيلها في مصر لاعتبارات متعددة من بينها تجمع هذا الكم من الحيتان وجودة الحفريات المكتشفة، إضافة إلى الموقع الجغرافي الذي يمكن من أن تكون متاحة للزيارة ومقصداً سياحياً مهماً”.
وإلى جانب القيمة العلمية الكبيرة للمنطقة، إلا أنها أصبحت واحدة من عوامل الجذب السياحي لمحافظة الفيوم حيث تنظم إليها رحلات كثيرة، وأشار أبو الخير إلى أنه “في عام 1999 تم ضم وادي الحيتان إلى منطقة وادي الريان الشهيرة بالفيوم، وعام 2007 جهزت المنطقة للزيارة من خلال وضع لوحات إرشادية وتمهيد ممشى أمام المواقع المختلفة وإعداد استراحات وتأهيل المنطقة لتكون مزاراً سياحياً. وتضم المحمية 13 موقعاً لحفريات الحيتان، ولاحقاً افتتح متحف يضم هيكلين كاملين لحوتين ويتناول قضية تغير المناخ منذ العصر الأيوسيني وحتى الآن. وصمم المتحف بشكل يتآلف تماماً مع طبيعة البيئة المحيطة”.
ورأى أن “محمية وادي الحيتان أضافت إلى التجربة السياحية لزائري الفيوم بشكل عام، فالمحافظة تضم أماكن متعددة جديرة بالزيارة مثل وادي الريان وقرية تونس التي تتميز بأعمال الخزف، إلى جانب وجود نشاطات مثل التزحلق على الرمال وزيارة منطقة القصورات والإقامة في الفنادق البيئية الكثيرة المنتشرة في المحافظة، إضافة إلى ما تتميز به المن