أخبار سوريا

يحاكي الواقع.. ممثلة سورية تستعد لتجسيد دور السيدة الاولى في سوريا مع الممثل السوري المعارض مكسيم خليل

يحاكي الواقع.. ممثلة سورية تستعد لتجسيد دور السيدة الاولى في سوريا مع الممثل السوري مكسيم خليل

في منتصف عام 2020، لم يكد يعلن الكاتبُ سامر رضوان على فيس بوك عن عمله القادم بعبارة “من غير شرطي” حتى أشعلَ الانتظارُ النارَ تحت قدورِ من تابعوا ثلاثيّة “الولادة من الخاصرة” وقبلها “لعنة الطين” وبعدها “دقيقة صمت”. تلك الأعمال التي عرّفت الدراما السياسية السورية تلفزيونيًّا بوضوح.

ومع بثّ تلفزيون سوريا و”التلفزيون العربي 2″ مقاطع تشويقية وتعريفية عن مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” الذي سيعرض في رمضان 2023؛ بدأت القدورُ بالغليان بين مستبشرٍ بمسلسلٍ واقعي يعرض ويعالج فنيًّا أحداثًا عاشها أو سمع عنها، ومهاجمٍ للعمل لأنه لم يُسمِّ الأشخاص والأماكن بأسمائها، بحسب ما وضّح مقطع تشويقي بالقول إن أحداث المسلسل من “نسج الخيال” وإنها في “بلد افتراضي”.

إذا اتفقنا على أن الحكاية والموضوع هما خيار المؤلف فنحن نعفي أنفسنا والكاتب من سؤال لماذا هذا وليس ذاك؟ مع أننا لو تابعنا الخط المتنامي للدراما السياسية التي يعالجها سامر رضوان، فسنرجّح أن يختار القصر الرئاسي موضوعًا لهذا العمل بعد أعماله السابقة التي تنوّعت في الطبقة التي تعالجها بين الشعبيّة والمسؤولين، والآن الحكّام. ولكن السؤال المطروح قُبيل العرض، والذي ظهر غيرَ مرةٍ كهجوم على عملٍ لمّا يعرض بعد: أين الأسماء الحقيقية للشخوص وللأماكن والأحداث؟ ولماذا التمويه؟ وهل وراء ذلك قصدٌ أم أنه شرط فني؟

للإجابة يجب أن نتّفق على أن تقديم الأعمال الوثائقية بقوالب فنية ليس عملًا سهلًا مَهمَا كان الموضوع مفتوح المصادر ومتاح الوثائق، فكيف بما لا وثائق فيه ولا معلومات عنه ولا شهود يحكون، ولا أرشيف يبيّن لنا كيف تسير الأمور في كواليس الحُكّام والأنظمة؟ ولا يشيعُ بين الناس سوى بعض القصص السائبة التي تُبنى أساسًا على تكهّنات فقط.

فهل يمكن إنتاج عمل وثائقي أو دراميٍّ وثائقي -دوكودراما- بناءً على قصص لا أُسس لها؟

تابعنا على أخبار غوغل نيوز 

إن الإشاراتِ الواضحةَ من المقاطع التشويقية للعمل تجعل منه مباشِرًا بما فيه الكفاية ليكون متحدِّثًا عن عائلة الأسد وحاشيته وعائلات حاكمة أخرى تتصارع فيما بينها لتثبيت نفوذها وسيطرتها

هذه إحدى مشكلات الموضوعات السياسية المعاصرة وخاصة إذا كانت تمس نظام حكمٍ مستبدٍ مُغلَق تمامًا، عدا ارتباطات الأنظمة الحاكمة فيما بينها وهذا ما يمنع غالبًا التوثيق الدرامي والفني أثناء المعاصرة، لأن ذلك يعني فتح أبوابٍ على حكّام آخرين ما زالوا يمسكون بزمام أمورهم، وحقبة تسلّطهم لم تنتهِ بعد حتى يتسنّى للمهتمّين استخراج المعلومات وتحويلها إلى وثائق. والناحية المهمة الأخرى تكمن في أن النظام لم يسقط بعد حتى يستطيع أحدٌ الحصول على ما يريد من المعلومات والشهود.

الدراما حكاية فنية تلامس الواقع

ليست من مهام العمل الفني التوثيق أو التأريخ لمرحلة أو شخص، فالعمل الفني الواقعي يعالج الحكاية المُختارة من خلال إطارٍ عام حقيقي، ويخلق ضمن هذا الإطار خيوطًا وخطوطًا من أحداثٍ وأشخاصٍ وأماكن يتمازج فيها الواقعي بالمتخيّل، ثم ينتج الحكاية فنيًّا بحسب مهارة فريق العمل والشروط التي يفرضها عليهم الفن نفسه.

كما أن التوثيق أصلًا ليس من شأن الدراما بقدر ما هو من شأن الاستقصاء والتحقيقات والأعمال الوثائقية، التي من الممكن أن تكون درامية أيضًا ضمن الدوكودراما فيما لو توفرت مصادر معلومات، فيصير توجيه سهم التسميات والتوثيق هنا أشبه باصطياد سمكٍ في صحراء قاحلة.

إن الإشاراتِ الواضحةَ من المقاطع التشويقية للعمل تجعل منه مباشِرًا بما فيه الكفاية ليكون متحدِّثًا عن عائلة الأسد وحاشيته وعائلات حاكمة أخرى تتصارع فيما بينها لتثبيت نفوذها وسيطرتها على مقدرات البلاد وحكم الناس وظلمهم. ومِن أدوات العمل المعروضة في المقاطع التشويقية، يتضّح للمتابع أن الفترة الزمنية تتناول ما بعد 2003 تقريبًا، وأنّ الأطماع الداخلية والخارجية وحكم العسكر “التوريثي المؤامراتي” تشكّل البيئة الحاضنة والفارزة لخطوط المسلسل. كل هذا يظهر قبل عرضه، فكيف سيظهر بعده؟

إن أي هجومٍ مبني على الفكرة القائلة بأن “غياب الأسماء الواقعية للأشخاص والأماكن هو محاولة لإرضاء نظام الأسد وعدم إزعاجه…”، هو هجوم غير مبرّر، ومتهاوٍ في ذاته، ولا يستحق النقاش فيه سواء قبل عرض العمل كاملًا أو بعده؛ فما كُشِفَ منه يكفي لدحض هذا الهجوم، ناهيك عن الشخصيات المشاركة فيه وموقفها الواضح والمعلن من النظام، بدءاً من الكاتب والممثلين وصولاً إلى الجهة المنتجة.

الشيء بالشيء يُذكر

في عام 2018 أعلنت عدة جهاتٍ إعلامية عن مشاورات تجريها أمازون مع شركتي إنتاج أميركية وعربية للعمل على مسلسل يحمل اسم “عاصفة رملية- ساندستورم” يتناول حياة معمّر القذافي، وبالعنوان ذاته كتبت ليندسي هيلسوم عام 2012 كتابًا عن ليبيا في زمن الثورة.

وبرغم سقوط القذافي وتوفّر بعض المصادر التي تحدثت عنه وعن حكمه وعلاقاته الخارجية قبل الثورة وبعدها، ولكن لا أخبار عن مراحل إنتاج المسلسل حتى الآن، إضافة إلى عدم وجود عمل عربي يتحدث عن حقبة حكام آخرين سقطوا مثل صدام حسين (والعمل الوحيد الذي تناوله كان “بيت صدام” وهو إنتاج أميركي بريطاني) أو عمل عربي يمس القصر الرئاسي لحسني مبارك.

كل ذلك يوضّح صعوبة وتعقيد إنتاج عمل وثائقي درامي لطاغية عربي ما زال حاكمًا، ولكن المتوقّع أن يكون “ابتسم أيها الجنرال” رائدًا في الدراما السياسية العربية لتناوله قصة واقعية لنظام حكم قائمٍ ولو استخدم لثامًا على الأسماء والألوان يَكشفُ أكثرَ مما يحجِب.

في نهاية منشوره السالف، يراهن الكاتب سامر رضون رهانًا عجيبًا فيقول: “… إنها لحظة حرجة جداً، لحظة ستقودني إنْ فشلتُ إلى التوقف تماماً عن الكتابة لدراما التلفزيون”. ومع أنّ العمل لمّا يُعرض بعد، وبرغم استحسانه من قبل بعض المتابعين من خلال مقاطعه التشويقية؛ إلا أن متابعين آخرين آثروا إطلاق النار سلفاً وقبل معرفتهم على ماذا يطلقون، ولماذا!

زر الذهاب إلى الأعلى