عمرها 2600 عام.. دولة عربية تعثر على كنز نادر من اللقى الأثرية بالتعاون مع بعثة أثار فرنسية
كشفت وزارة التراث والثقافة عن كنز أثري يعد من أهم وأندر المكتشفات الأثرية الحديثة على مستوى السلطنة، يضم مجموعة من النحاسيات، تتكون من خمسة أقواس وحافظتي سهام، مصاحبتين لخناجر وفؤوس جميعها سليمة، على الرغم من مضي أكثر من 2600 عام عليها، وذلك بموقع المضمار في ولاية أدم بمحافظة الداخلية.
وأكدت الوزارة أنها المرة الأولى التي يتم فيها العثور على أقواس ومحافظ نحاسية، ويأتي هذا الاكتشاف ثمرة تعاون أثري في موقع المضمار بولاية أدم، بين وزارة التراث والثقافة وجامعة السوربون الفرنسية، بدأ العمل فيه منذ عام 2011م، بعد مسح أثري شامل للمنطقة، بهدف التعرف على الأنماط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات القديمة، التي عاشت في عمان في العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي والعصر الحديدي.
وقال أحمد التميمي مدير دائرة التراث والثقافة بمحافظة الداخلية إن هذه المكتشفات تم العثور عليها من موقع أطلق عليه اسم «المضمار»، لأنه يقع شرق جبل المضمار بولاية أدم على طريق وادي حلفين، وهو عبارة عن مجمع من 4 مبان معزولة في الصحراء، حيث لا تظهر مواقع بالقرب منه.
ويضيف التميمي أن التنقيب في الموقع بدأ في عام 2015م، وتركز في أكبر مباني المجمع، بمساحة إجمالية تصل إلى 120 مترا، ويحتوي على 5 غرف، ومن خلال المكتشفات الفخارية والمعدنية التي عثر عليها بالمبنى تم تأريخه إلى العصر الحديدي الثاني، وذلك خلال الفترة من (900 إلى 600 قبل الميلاد)، ويبدو أن استخدامه استمر إلى ما قبل فترة الإسلام، وما يسمى بفترة سمد، الممتدة من (200 قبل الميلاد إلى 200 ميلادية).
ويضيف التميمي: إن المعثورات نادرة ومهمة جدا، لعدم وجود مثيل لها في المنطقة، وبذلك يصعب مقارنتها وتحليلها وإيجاد تفسير واضح لها، ولكن يمكن معرفتها من خلال مقارنتها بمعثورات أخرى من ذات الموقع.
ويؤكد أيضا أن البعثة الفرنسية تعثر يوميا على الكثير من اللقى البرونزية والفخارية والأصداف التي كانت تستخدم في الزينة، ومن بينها أفاع برونزية كثيرة العدد، ينتشر مثيل لها في موقع سلوت ومواقع أخرى قريبة من المضمار، ويبدو أن هذه الأفاعي كانت مقدسة في الحضارات الإنسانية القديمة، وذات أهمية دينية كبيرة.
كما تم العثور على أعداد كبيرة من رؤوس السهام البرونزية، وخلال شهر واحد فقط من هذا العام تم الكشف عن مائتي قطعة من تلك السهام، إلى جانب قطع من الخناجر تمثل بدايات رائعة لصناعة الخنجر العماني، وحملت بعض القطع الخزفية على رسومات ومنحوتات لأفاع برؤوس متعددة، يعرض بعضها حاليا في المتحف الوطني بمسقط.
ويجري الآن في الموقع صيانة وترميم ما تم التنقيب عنه سابقا، من خلال استخدام الحصى والحجارة من ذات الموقع، يشارك فيها فريق من الشباب العماني العاملين لدى الوزارة.
وستسهم هذه المعثورات مع ما تم العثور عليه في المواسم الأثرية السابقة في تقديم صورة نموذجية واضحة عن الأدوات التي كان يستخدمها الإنسان في ذلك الزمان، كما تكشف التنقيبات الأثرية المستقبلية في المبنى والمباني المجاورة عن المزيد من المعلومات عن طبيعة هذا الموقع، واستخدامات هذه المباني ونمط الحياة لدى السكان في هذا الموقع في العصر الحديدي.
وتعد صحاري ولاية أدم من بين أخصب الولايات العمانية في محافظة الداخلية المليئة بالمواقع الأثرية، حيث تنتشر في أرجاء الصحراء مترامية الأطراف، وسبق لوزارة التراث والثقافة أن قامت بحفريات في مواقع مختلفة من ولاية أدم.
حين وصلنا الموقع بدأ من بعيد أشبه بأسس حجرية لمنازل مهجورة، واتضح لنا بعد ذلك من خلال شرح الخبراء المنقبين أن هذه المنازل كانت مطمورة تحت الرمال، وتم إزاحة التراب عن أسس أربعة منازل، وترميمها بعد ذلك، لتبقى محافظة على شكلها القديم الذي كانت عليه، يحيط بالموقع هضاب جبلية مليئة بالقباب والقبور تنتمي إلى تلك الفترة.
ويظهر المخطط العام لأحد المباني مستطيل الشكل، أنه يتكون من 3 أجزاء، يضم المدخل والأروقة والغرف الملحقة والغرفة الرئيسية، ويطل المدخل مباشرة على ساحة وغرفة صغيرة، بها مدخل صاعد يرتفع ثلاث درجات، وعلى جانبي هذا المدخل غرفتان صغيرتان إحداهما مستطيلة والثانية مربعة، ويوصل المدخل إلى الغرفة الرئيسية التي يبدو أنها غرفة تجتمع فيها الأسرة، وهي قائمة على عمودين في الوسط، بني هذا المبنى من عدة مواد، حيث شيدت أساسات جدرانه من حجارة جيرية من نفس جبل المضمار، وشيدت قاعدة أرضية المبنى بحجارة رملية بنية أو حمراء، جلبت من شرق الموقع بمسافة 12 إلى 15 مترا، بنيت الأجزاء العلوية من المبنى بالطوب، ويبدو أنه كان ذا أهمية كبيرة لدى سكان الموقع في العصر الحديدي، ويؤكد على ذلك أنه مبني بمواد ثابتة وفي مكان معزول، بحيث لا توجد آثار مواقع تجاوره.
الأدوات النحاسية التي عثر عليها كانت تستخدم كأسلحة بدائية، عثر عليها في أرضية إحدى الغرف، ويبدو أنها كانت موضوعة على أحد الرفوف، إلا أنها سقطت مع الزمن نتيجة انهيار المبنى.
ويرى جيوم جرنز الخبير الفرنسي في الموقع، أن الأقواس وحافظات الأسهم التي عثر عليها، هي مجرد نماذج لأسلحة غير حقيقية، حيث إن مقاساتها أصغر من الأسلحة الحقيقة، كما أنها مصنوعة بالكامل من معدن النحاس، وهنالك احتمال أن هذه الأسلحة كانت هدايا تتبادل بين الناس، أو أنه كان يتم تعليقها على جدران هذا المبنى.
وترى ماتيلد جين، وهي طالبة آثار في جامعة السوربون، أن موقع المضمار مليء بآلاف القطع الفخارية، وخلال عملية التنقيب والحفر يتم العثور يوميا على مئات القطع، تخبئ داخلها معثورات نحاسية وبرونزية وأصدافا وسهاما وغيرها.
وأضافت أيضا: إن هذه المعثورات تؤكد بأن الحياة في تلك الفترة كانت متطورة جدا، خاصة في جوانب النحت والتشكيل والحفر، لقد عثرنا على أصداف متناهية الصغر، وفيها نقوش دقيقة جدا، ولا يمكن تشكيل تلك النقوش اليوم إلا من خلال آلات متطورة.
ورغم أن آلات الإنسان القديم بدائية الصنع إلا أنها كانت متطورة بحيث استطاع أن يشكل بها تحفا فنية رائعة.